الواقعية في الكتابة الأدبية - للكاتب : أ/ رامي حلبي - مجلة مجد مصر

الأحد، فبراير 07، 2021

demo-image

الواقعية في الكتابة الأدبية - للكاتب : أ/ رامي حلبي

الواقعية في الكتابة الأدبية

يقول "رولان بارت"، الكتابة ليست إلا كلام أو نظام شكلي، بعض حقيقتة تنشط المعنى، ويمكن لهذا الكلام أن يتحدث به كلام آخر، أن يكتب الإنسان "على إمتداد الزمن" بمعنى أن يبحث عن الكلام الأكبر، الذي هو بمنزلة كل الكلام الآخر.

"من كتاب النقد البنيوي للحكاية"

 

بتعبير آخر أو كما وصف "رولان بارت"، حاضر الكتابة وليد الماضي، وماضيها وليد القديم البعيد، لهذا حين يتحرر الكاتب من الحاضر"عقائديا"، يكون قد رفض الإرث ورفض أن يكون أمينا عليه، ويكون مطالب منه أن يتحمل مسؤولية عمله الأدبي وحده، إذ أن الخلق الإجتماعي يفترض منه أمانة المضامين بينما الكاتب لا يعرف إلا أمانة الأشكال، وما يقيم إعتباره نحو ما يكتب إلا قراره الملح عليه تجاه الكتابة وليس عبء ومضمون ما يكتب.

 

وهناك الرأي الذي يرى أن نجاح الكتابة الأدبية  مرتبطة بإلتزام الكاتب بالمضامين التي تنسخ الواقع، نشطاء تلك المدرسة يحتفون بالواقعية الإشتراكية، التي تجنبت أن يكون الأدب إلا إنعكاس ديناميكي مباشر للمجتمع، بينما كان التوجه الإشتراكي يخدم قضايا إقتصاده، بموضوعات تسبغ الوهم في مضامينها، قد أغفل التحول الكبير في تقنيات السرد، وأن التقنيات المعتمدة لديه في بنيوية النصوص لم تعد على  قدر من الإستيعاب لحاضر متجدد بعلاقات ناشئة ليست بالبسيطة، ففي الحالة الغربية يفترض الكاتب جمهوره رغم أن فعله يعود لنفسه أولا، يقوم بذلك ليتأكد من مكانه متخذ من فعل الكتابة واقع آني لتحديد ذلك، وقد يمكنه ذلك من إكتشاف كتابته كل مرة بعمق أكبر، وقد نرى لموضوعات لا تحمل الوحدة في داخلها إنعكاس غير مقصود للواقعية أكثر تناسقا منه لرغبة الكاتب في إخفاء ذالك.

 

الكاتب يستخدم الزمن والمكان، حسب  مايرى "رولان بارت"، يرى أن الكاتب زمن عملانيا"حاضر عملي"، ليس شرط أن يتحدث بأفكار حاضره بالنسق التاريخي"الوقتي"، ولا يربط بينه وبين تطور الأفكار سوى علاقته الغامضة به، والتي لا يحددها سواه، ولا يشاطر الزمن حركته، لذلك قد يعتبر العالم المتلقي للعمل الأدبي أن عمل الكاتب جامد ممنوح من قبله للأبدية من أجل الحكم عليه تاريخيا، كعمل ثابت مؤرخ لحقبته، لذلك ينصدم هذا العالم بالأفكار الخارجة عن المألوف ويصغي أكثر للناقد والنقد عله يفهم الفكرة الملقاه بين نصوص العمل الأدبي، بينما الكاتب لا يعتبر عمله عمل تأسيسي يقبع داخله، بل يعتبره مغادرة وإنهاء كمن يطوي سجلاته بعد الإنتهاء من مراجعتها، بينما يتعلم خلال ذلك أن يصغي لنفسه، يصغي إلى كلامه ويتعلم ويبني إثرائه، ويكون شئ فشئ رأي المتلقي وكلامه الذي يريد قوله، فتتكون واقعية عمله تدريجيا ليدرك في النهاية أن واقعيته على كل المستويات، هي إدراكه لكلام الآخر المتلقي، هو لا يجيب أسأله المتلقي  أكثر منه إستباق التوقع لإجابات الآخر المتلقي نفسه.

 

يقول "ميشيل بوتور" عن الرواية بشكل عام والقصة بشكل خاص، الرواية شكل خاص من أشكال القصة، والقصة ظاهرة تتجاوز حقل الأدب وهي إحدى المقومات الأساسية لإدراك الحقائق.

"من كتاب بحوث في الرواية الجديدة"

 

يعتبر "ميشيل بوتور"، أن الروائي يقدم الأحداث بطريقة تشبه وقع أحداثنا اليومية، مسبغا عليها أكثر ما يستطيعه من مظاهر الحقيقة بما يصل معه حد الإبداع، هو لا يبدل الحقيقة بل يصفها بما يستطيع تجنبه من الجهالة حولها أو بإكتشافه لها بنظرته المختلفة، بيد أن ما يقصه لايمكن أحيانا وعمليا التأكد من صحته، ويعتبر أن ما يقوله يجب أن يكفي، ويكفي بالنتيجة، لأن ما يريد أن يصله هو مدرك ومعلوم بالفعل لدى المتلقي، وعليه يعتبر أن إدعائه يحمل مظهر الحقائق.

 

القصة عموما تعتمد على مصدر خارجي مصدر خبر أو حدث أو مصدر للفكرة ، الرواية قد تكتفي بما تحاورنا به أي كان المصدر فهي في ذاتها الخبر والحدث والفكرة، لذلك وحسب الكثير من النقاد ومنهم "ميشيل بوتور"، الرواية أسمى حقل للحوادث الحسية ولذلك كانت هي دائما المختبر الذي يزن القصة.

 

قد تتحدث رواية تقليددية عن الواقع بكل تفاصيله دون عرض وجهة النظر الخاصة للكتابة، أو ما تريد أن تجنيه أو دون رغبة في ذلك، لأنها بالأساس لا تتعرض للمشكلة وإن صادفتها، تكون حينها مقام عرض للأحداث لا مقام مناقشة وتحليل، والإدراك الأولي للإشكال خلال رواية تقليدية مع المتابعة يحل محله إدراك أقل شغف وتوقع وغنى، بينما التفتيش خلال مظاهر خيالية إختلقها القاص يظهر مافي الشكل الذي إعتدنا أن نراه، يكشف عن حقيقة القصة وواقعيتها خلال سرد خيالي لكنه منطقي تؤكده الحقيقة، ولطالما كانت الأعمال الأدبية الناجحة بحق أعمال تمثل لخدعة تتبناها الحقائق في ذهنية الكاتب، أو جزئ خادع من الحقيقة.

 

والصدق والكذب قضية من قضايا النقد الأدبي، قضية هامة وكبرى قديما وحديثا، ويبحث الدكتور" وليد إبراهيم قصاب"، في كتابة"قضية الصدق والكذب في النقد العربي" حقيقة أن "الصدق والكذب المتخيلين"، هما اللذان إستأثرا بعناية النقاد إلا حد وقوع الخلاف الجاد بين النقاد والبلاغيين العرب، في الشعر خاصة، ففريق يرى أن أعذب الشعر أصدقه، وآخر يرى أن أعذب الشعر أكذبه، وفريق توسط الخلاف ورأى أن أعذب الشعر أقصده، أو مايقصد به المعنى ، وبدا واضح أن الأمر مرتبط بالمحاكاة والتمثيل، بل إن التخييل هو المصطلح الذي صاغه الناقد العربي، تخيل حقيقة الأمر حسب الإدراك الحسي والشعوري للشاعر والراوي، وليس إلتزام الدقة في وصف الواقع والتعبير عنه كما هو، فالشعر ما هو عند النقاد العرب إلا محاكاة وثمثيل، فلا شعر دون مجاز وتشبيه وإستعارة وما تناسق مع ذلك من التقانات فنية وجمالية.

 

 

في منتصف القرن العشرين بدا إنشغال كبير بدراسة الأدب من منظور علم الإجتماع، فنشأ علم إجتماع الأدب ، بموضوعات تبحث العلاقة بين الأدب والمجتمع، بشكلياتها وإشكالياتها، وبرغم أن المآسر التاريخية التي أخبرت بها إقتباسات الكتاب المؤرخيين قد أظهرت آثار للإرتباط الوثيق بين كتاباتها والمجتمعات التي أرخ لها بالصيغ الأدبية،  إلا أن الموضوعات كانت متناثرة زمنيا،  برغم ماتتمتع به من مصداقية وحنكة وحياكة رائعة للوقائع، وذلك قد يكون يخضع النص الأدبي لإشكالية قبول النقد ويجعل من النقد بعيد كل البعد عن مخاللة النص، ليفسد كل منهما "النص والنقد" عمل الآخر، وتلتصق بالكاتب تهمة فقد أشكاله،  وفي هذا الشأن يقول "د/ عبد الله العرفج"، علم إجتماع الأدب هشا معلقا، فإما أن يصير مبحث متعدد الإختصاصات، أو يهتم أكثر بعناصر خارج النص الأدبي كالقراء والكتاب والناشرين، أو يحاول فهم السياق العام خلال دراسة حالات خاصة.

"من كتاب علم إجتماع الأدب، ملحق مجلة العربية"

 

لطالما إهتمت العلوم الإجتماعية بظواهر تطرأ على المجتمعات، تقيم لها التجربة وتستخلص النتائج، والعمل خلال المنظور الأدبي مختلف كل الإختلاف، لأن الكاتب يظل  في حاجة ماسة لجمهوره، يختبر نفسه وقارئه خلال تجربة الكتابة، فيكون الكاتب قد قدم  من التجربة كل شئ في حدودها ، ويكون الأمر في مجمله، أمام الباحث الإجتماعي كمن يقرأ صحيفته اليومية ولا يقيم الدهشة والإعجاب  أكثر من تمحيصة بصحة ما يقرأ من عدمه، وهذا هو دور الباحث العلمي، التجريد، لذلك تكون الدعوة لدراسة مرحلية العمل الأدبي بسياقه العام، نفسيته وظرفيته وتأثيره وأطرافه وتوجهاته، إجمالا هي دعوة في نطاق مبحث إجتماعي علمي تجريدي.

 

بينما مناهج التسلسل الهرمي للعلوم بدأ من المباحث وصول للنتائج تغفل الرسالة والحالة، بينما السياق الشاعري الخيالي أحيانا يثري الجانب الأدبي بواقعية أكثر دقة وحقيقة أكبر إلماما بالوقائع، مع الشغف والغنى والتأثر، ودون التملق للدراسة والنجاح المصحوب بالإمتياز العلمي.

 

 

 

 

 

 

 

Pages