مقال : المقارنات - بقلم : أ / إسلام شرف - مجلة مجد مصر

الجمعة، مارس 12، 2021

demo-image

مقال : المقارنات - بقلم : أ / إسلام شرف

 

موضوعنا اليوم إخواني في الله عن المقارنات والتي هي برأيي معاول هدم لمجتمعنا المسلم، وكيف لا وهي تخرب علاقات الأفراد الذين هم بُنيان المجتمع وأساسه، وهنا قد يطرح أحدكم سؤالاً لا بد منه ألا وهو (كيف لمقارنات أن تهدم مجتمعاً؟) وأقول لك أخي صاحب السؤال صبراً فهذا ما سنعرفه معاً في السطور التالية.

كثيراً ما تصيب الإنسان حالةٌ من عدم الرضا فتكون سبباً في صبغ أيامه بصبغةٍ سوداء قاتمة لا نجاة منها إلا بالرضا فإن تلك الحالة لا تكشف لك الحقائق كما تظن ولا تعني أبدأ أن الشخص الذي تَصبُ سخطك عليه مقصر أو متهاون في حقك أو حتى في حق نفسه.

ولو فكرنا في سبب حدوث ذلك، لوجدنا أن الإنسان يطلب المثالية لكل من حوله، وفي كل ما حوله رغم أنه ليس مثالياً، فلو كان الإنسان مخلوقاً مثالياً من جميع النواحي لما كان هناك نار لمعاقبته وجنة لمكافأته، ولكنه مخلوقٌ يخطئ مرة ويصيب مرة لذلك من الخطأ الكبير أن نطلب منه المثالية، ولكن للأسف كثير من الناس يصر على طلب المثالية ممن غيرهم، فنجد الإبن يطلب المثالية من والديه ويتمنى أن يكونا مثل والديّ صديقه مثلاً في أي شيء سواء كان الغنى أو تركه حراً يفعل ما يريد متى يريد أو شراء أي شيء يريده مهما بلغ ثمنه وهذه هي المثالية بالنسبة للإبن والتي يطلبها من والديه فلا يُعطيها له الأب أو الأم لعجزهما عن إعطائها له بسبب الفقر مثلاً أو لأنها قد تكون سبباً في إفساده وسوء أخلاقه، فهنا يغضب الإبن ظناً منه أن أباه أو أمه لا يحبانه لذلك لا يُلبيان مطالبه وقد لا يقتنع بحُجَّتِهما ويظنها مجرد تهرب من تلبية مطالبه فيُصبح ساخطاً عليهما في كل مرة يطلب منهما شيئاً لا يقدران عليه فيتهدم بيت أسرة بشيء يبدو بسيطاً لكنه كالسم القاتل الذي يمزق روابط المجتمع.

وكما أن هناك أبناء يطلبون المثالية من آبائهم فهناك آباء يطلبون المثالية من أبنائهم ويقارنوهم بأبناء الجيران أو أبناء الأقارب أو أبناء الأصدقاء فيقولون لهم (لماذا لا تحصلون على علامات دراسية جيدة مثل أبناء جارنا؟ لماذا يتفوقون عليكم؟) وذلك السؤال رغم أنه يبدو بسيطاً ليس جارحاً أو قاتلاً، إلا أنه سؤال قاتل مميت، فإنك حين تقارن ابنك مع غيره ممن هم في مثل سنه يشعر ابنك أن كل الناس أفضل منه فيفقد ثقته بنفسه ومع كثرة تلك المقارنات يتكون لديه إنطباع أنه فاشل ليس إلا نكرة لا قيمة لها، وكيف تصبح له قيمة عند الناس وأقرب الناس له يرون الجميع أفضل منه؟ هذا ما سيدور في ذهنه ودائماً ما سيطرح هذا السؤال لنفسه والجواب الذي سيجده أنه بالفعل مجرد نكرة لا قيمة له.

أنا أعلم أن الأم أو الأب الذي يقوم بمقارنة أبنائه مع غيرهم يفعل هذا لأنه يظن أن الإبن سيغار من أقرانه وزملائه فيصبح أفضل ولكنهم يغفلون أمراً مهماً ألا وهو أن تلك الطريقة قد تؤثر سلباً على الإبن أكثر من كونها تؤثر بالإيجاب والطفل الذي يتأثر بها سلباً لأول مرة لن يتأثر بها إيجاباً للمرة الثانية أبداً لذلك إن وجدتْ تلك الطريقة تؤثر سلباً فلا تكررها لأنها لن تنفع والأفضل ألا تجربها أبداً.

أما النوع الأخير من المقارنات التي تحدث وتكون سبباً كغيرها في مشكلات عديدة وهو أخطر هذه المقارنات لأنه لا يؤثر فقط على شخصين ولكن يؤثر على الأسرة كلها ألا وهو مقارنة الرجل لإمرأته بالنساء الأخريات أو العكس، وهذا النوع من المقارنات خطيرٌ لأنه قد يهدم أسرة كاملة، فهو يؤثر على الأبناء أيضاً ويتسبب بمشاكل بين الأزواج والتي تسبب للأبناء قلقاً وغياب الطمأنينة وقد يتسبب الأمر بحدوث إضطرابات لدى الأطفال نتيجة تلك المشاكل بين الوالدين بسبب أن أحدهما غير راضٍ عن الآخر ويقارنه باستمرار مع غيره فيقحمه في مقارنات غير منصفة وذلك ببساطة لأن ظروف مَن تقعُ عليه المقارنات ليست مثل مَنْ يُقارَنُ به وعلى سبيل المثال فلا يجوز أن نُقارن بين القرد والدجاجة من حيث القدرة على طلوع الأشجار وتسلقها لأن ظروف الدجاجة لا تسمح لها بطلوع الشجر بينما ظروف القرد تسمح بذلك، وبناءً على ذلك لا يجوز أن يقارن الرجل امرأته بالنساء الأخريات ولا يجوز أن تقارن المرأة زوجها برجال آخرين لأن ظروفها غير ظروف هؤلاء وطبيعته غير طبيعتهم كذلك ظروفها غير ظروف بقية النساء وكذلك طبيعتها غير طبيعتهن وعى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم، ونستنتج مما سبق أن كل أنواع تلك المقارنات لا تصح من الناحية العقلية ولا من الناحية الواقعية وذلك ما وضحناه في السطور السابقة.

في النهاية أريد أن أقول أن الرضا هو مفتاح السعادة ولا سعادة في هذه الدنيا إلا بالرضا وليست السعادة في طلب حياة نظنها مثالية ولا السعادة في طلب المثالية ممن حولنا، فكل تلك أمور نوهم بها أنفسنا لا أكثر واعلموا أن تلك المقارنات من الشيطان ليُفسد عليكم نعم الله التي أنعم بها عليكم فلا تتركوا باباً للشيطان ليفعل ذلك وتوقفوا عن مقارناتٍ لا طائل منها، واعلموا أن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة فلا تهدموا حياتكم بسبب مشكلاتها.

 

Pages