ملف ، قصة المسخ (٤)
…. كافكا
وقف أمام أحد المكتبات يتطلع لعناوين الكتب، يقرأها بصوت
عال، ضحك زميل له وقال" أنت إذا من محبي الكتب التي تحرك القراءة
رؤسهم"؛
….، قال له "كافكا"، " أنت
على خطأ إن الكتاب لا يستطيع أن يعوض العالم وهذا غير ممكن، لأن لكل شيء في الحياة
وظيفته ومعناه، والتي لايمكن أن تنشغل بشكل كامل بالكتب أو بأي شئ آخر"؛
قرأ صغيرا الكتب الخرافية، وأساطير شارلوك هولمز، تعلق
بكيركيغارد، وتشارلز ديكينز، وهيرمان هسة،
وديستو يفسكي.
ألف كافكا أهم كتب الأدب الألماني الحديث، لم يعرف العالم
قيمة إنتاجة إلا بعد ثلاثين إلى أربعين عام تقريبا من وفاته، جسد معاناة كبيرة
وكفاح غيرهين للأجيال.
يقول "ألبير كامو"، "إن اللحظة التي قرر
فيها ماكس برود عدم إتلاف وإحراق أعمال كافكا، هي اللحظة التي ساعدتنا على معرفة
وتقديم الدليل الأدبي على فظائع القرن العشرين"؛
….، يقول "ماكس برود" عن رواية
المحاكمة، لقد وضع بين يدي كنز كيف أحرقة، نشرها في العام ١٩٢٥، لم تحقق سوى ثلاث
ألاف نسخة بعدها بعشرة أعوام أعاد نشرها لم تحقق الكثير أيضا،لكن في الخمسينات
والسيتينات حققت تقريبا المليون نسخة،
ويذكر أن بعد إرسال "كافكا" رواية المسخ "لروبرت
موزيل" بخمس سنوات نشرها "موزيل" مع رسالة لكافكا تضمنت ذكره
لرسالة "كافكا" له، وعن رغبة الأخير في عدم تقطيعها وإختصارها، تقول
الرسالة، من موزيل لكافكا، "سألتني منذ سنوات ألا أبتر عملك الروائي، لم
أستطع الرد عليك، لأنني وكي أجد تعليق لهذا كان علي أن أبحث في ملامح بطل قصتك،
فإكتشفت وياللرعب، تحولنا جميعا إلى مسوخ بلا ملامح إنسانية"؛
سنة ١٩٧٦،قدم المخرج السويدي "ايفردفوراك" فيلم
مستوحى من المسخ، تبعه فيلمان إنجليزي وأرجنتيني من نفس المادة، وأربع مسلسلات
بينهم واحد إنجليزي.
يذكر دكتور"إبراهيم محمود"، في
كتابه،"الإغتراب الكفكاوي"، إن المرأ هو مغترب كيفما كان، فالخضوع
للقوانين غير الأخلاقية هو طلاق لكل ما هو إنساني، وعدم الخضوع يعني الفناء"؛
….، عبر "كافكا"عن أزمته الوجودية،
الأزمة التي دفعته للتعبير عن إرادة الخروج منها، معالجا لموضوعات مرتبطة بالحداثة،
كالإغتراب الذي هو أحد نواتج النظام الرأس مالي.
●
تأثير كافكا في حركة الأدب
إحتل مرتبة أولية من ثورة النقد والتأويل، بلور مدرسة
روائية خاصة تتسم بالسوداوية والتشاؤم، لديه غنى فكري يجعلك كلما قرأت له تعود
بحديث جديد وتأويل مختلف كل مرة، بنى شخصيته الروائية شيء فشيء وجعل من تلك
الشخصية محل نقد ودرس وتحليل، في المسخ إستطاع ببراعة وصف واقع مذري، أن يتكلم
بلسان حال الإنسان في المجتمع الرأس مالي، وخز الغربة بين مايألفة الإنسان ويرعاه
وينميه، في المحاكمة عرض صلابة الإنسان أمام طغيان السلطة، وبين بشكل جلي الهشاشة التي
يسعى لها المجتمع بعنصريته، بين أقوياء يفرضون القانون وضعفاء يتقبلونه ويرضخون
له، في القلعة، وهي مغامرة، عبثية غير مجدية، لإنسان يغامر بحياته لأجل أن ينتمي
لشئ، ليكتشف أن الكيان الذي رغب الإنتماء له، مكتفي لكن يمكنه أن يتذيل نظامه،
أميريكا أو التائه، والعنوان يعبر عن مضمونه، غربة مكتملة لشخص فر من حياة سابقة
لحياة ظن أنها منجية له، فإصطدم مرة أخرى بالجشع والسلطوية المستشرية للنظام الرأس
مالي العالمي، بعدما إنطبعت تلك الأفكار في ذهنية وتصرفات كل من قابله، سواء من
قريب قرابة في الدم، أو رفيق وصديق وبالضرورة غريب.
….،"كافكا"، تعود أن يرهق قراءه
بتفاصيل يومية لشخصيات رواياته، ليمس عمق المعاناة فيهم، ليبين حجم الأزمة التي
تحول شيء عرضي يقوم به الإنسان دون إدراك إلي شيء يتوقف عنده بالملاحظة والتفكير،
حتى عند قرائتنا لنصوصة الصغيرة وإقتباساته المشهورة،
نص لكافكا، "كأن الأمر يشبه أن تقف في منتصف
غرفة لا يسمح لك بالإستناد علي شيء"؛
لم
يتخلى أبدا ، كافكا، عن توريط حس وعقل وخيال بل وجسد المتلقي حين يقشعر من
التعابير في ملاحم نصوصه، أمر جعل كل من قرأه، أومن قرأ له، يعتبر أن هذا إثارة
للصدق الذي يدينه أكثر ما يشفع له، خاصة وإن كنت على دراية بمأسوية الأحوال التي
طالت معظم الناس في هذا العالم.
لم نستغرب أن روائيات بحجم ما ألفته فلسفة "فرانتس
كافكا"، قد أحدثت نمط خاص في الإنتاج الروائي والثقافي يتسم بالكابوسية، بل
إن إدراك هذا النمط يجعلنا دوما في ملاحقة لأعمال تعتبر إمتداد للفلسفة الكفكائية،
والتي نبغ بها روائيون مثل، ألبير كامو، وروايته الغريب، روبورت موزيل، متأثرا
برواية المسخ في روايته، إنسان بلا ملامح، وكارلوس زافون في متاهة الأرواح، وغير
هؤولاء من من تأثر بعضهم بفلسفة كافكا المتأثرة بالأساس بفكر وفلسفة، كير كيغارد،
الأخير الذي إختزل المعاناة في نمط أخير للتعايش.
وصف كافكا كيريغارد، بالصديق، أو بتعبيره، " أنهيت
للتو قراءة، خوف وشك، لكير كيغارد، خلال قرائتي شعرت أن كير كيغارد يعتبرني ضمنيا
صديق له".
….، يقول "أندريه جيد"، "فيما
بعد الأثر الذي تركته أعمال كافكا الروائية، والتي كانت لديه مبجلة، وعندما أعطى
"توماس مان" رواية المحاكمة
ل"ألبرت أينيشتاين" ليقرأها، ليعود أينشتاين بعد عدة أيام معترفا
بفشله في إتمام قرائتها قائلا"أن العقل البشري يقف عاجز أمام حل لغز تلك
الرواية"، أثر بالغ يترك في نفسية القارئ العادي الكثير من التساؤلات والتي
لن يجيب عنها أحد.
في مذكراته يكتب لصديقه "ماكس برود"، موضحا بعض
الأفكار يطلب منه إضافتها إلى مذكراته، " لقد نسيت أن أضيف وتقصدت أن أنسى
فيما بعد، إن خير ما عشته له دوافع فيما تيسر لأني أستطيع الموت مسرورا، فهذه
المقاطع الجيدة المتسمة بالإقناع، تجعلني أعتقد أنني سأكون مسرورا على سرير الموت،
إن هذه الأوصاف لا تشكل سوى لعبة خطيرة وخفيفة ، لهذا بدقة إستغللت إنتباه القارئ
المركز على الموت، فأنا في حالة فكرية تفوق صفائه، أما أنا فشكواي ستكون والحالة
هذه لأنها لا تتفجر فجأة الشكوى"؛
الجملة مؤرخة بتاريخ، ١٣ ديسمبر ١٩١٤، لكن فيما يبدو
أن شعورالموت والإنتهاء وليد ميلاد كافكا
ومستمر خلال حياته وينتظره في كل آن حتى تقبل قدومه أخيرا بكل سرور، وهذا ما إنطبع
في مروياته وكتاباته، أن لكل بداية نهاية مصاحبة تترقب لحظتها وما بينهما معاناة.
يقول أنطوان تشيخوف فيما يعني أن " الوصول للسعادة
موقف، المعاناة خلال الوصول حياة"