تنهار الإنسانية إذا تهاون الإنسان - للأديب : أ/ رمضان جمعة - مجلة مجد مصر

الاثنين، فبراير 08، 2021

demo-image

تنهار الإنسانية إذا تهاون الإنسان - للأديب : أ/ رمضان جمعة

تقدم لكم مجلة مجد مصر مقالاً حول الإنسان و الإنسانية بقلم الأديب : رمضان جمعة 



لما وجدت في المجتمع حولي عادات تنم عن وعي منحدر، وكلما رأيت إنسانًا قد تشوهت معالم إنسانيته، شعرت بالتخاذل، شعرت بالخزي من نفسي. إنني أتألم لكل إنسان يعاني، بل أتألم لكل إنسان يتسبب في معاناة لإنسان آخر، أرى دومًا أن الله لم يخلقني في هذه الدنيا ثم يهبني موهبة الفن عبثًا، بل بالطبع لي دور. أشعر أن عليّ أن أساهم ولو بقدر كلمة في الحد من هذه المعاناة التي تجتاح قلوب البشر.

received_438059974298669

* الصورة بواسطة : الفنانة التشكيلية 
داليا ناجح 

لقد سمعت خطاب ألبير كامو في أثناء تسلمه جائزة نوبل للآداب، وقد قال متحدثًا عن جيله من الأدباء والفنانين: "إن كل جيل يؤمن دون شك أنه منذور لإعادة تشكيل العالم، وجيلي يعلم رغم ذلك أنه لن يعيد بناءه، وأن مهمته أكبر من ذلك بكثير، ربما تتجلى في منع العالم من التفكك". هكذا رأي كامو دور جيله من الفنانين، وهكذا كانت رؤيته للعالم آنذاك، ونجد في طيات كلام كامو تحذيرًا وإنذارًا بالخطر، لقد رن كامو الجرس، ولكن يبدو أن أحدًا لم يستجب.

وأقول اليوم إن جيلنا نحن، تتجلى مهمته في شيء أهم بكثير من منع التفكك، علينا إعادة تركيب العالم الإنساني الذي انحل وتفكك وانهار. إن جيل كامو لم ينجح في منع العالم من التفكك والإنمساخ، وليس تقصيرًا منهم، هم بذلوا كل ما في وسعهم، لكن الشرور التي غزت البشر نتيجة لتاريخ إنساني مسموم، كانت أكبر من طاقتهم، وأقوى من قوتهم التي أعدوها لمقاومة الانهيار.

أن تكون فنانًا في هذا العصر، هو أمر ليس هين عليك، ويجب أن تعلم قدر ما حُمِّلت به، فلا ينحصر دورك في تقديم وجبة فنية ممتعة فقط سواء أكانت رواية أو قصيدة أو أغنية أو موسيقة أو رسم أو تفكير وتحليل.. إلى أخره من باقي الفنون.

واجبك الآن أن تساهم - أيها الفنان - في إعادة بناء العالم ولو بقدر بسيط من المشاركة، فأنت في يدك سلاح لا يحمله أي إنسان عادي. سواء كنت مؤمنًا بالله دينيًا أو لا ديني، ملحدًا أو لا أدري، فمهمتك لا تخص دين أو عقيدة، مهمتك تخص نوعك وبقاءه، تخص عالم والحفاظ عليه، فساهم ولا تتكاسل، فبناء الإنسانية الذي خُلق متماسكًا، قد هده ساكنوه من البشر، وعلينا، قبل أن تقوم عوامل التعرية بالقضاء على الطوب المتبقي من المبنى، أن نقوم نحن بتجميعها، وإعادة البناء.. وإلا سنكون تحت رحمة الرياح التي قد تطيح بنا في لحظة.. إننا اليوم أمام "ڤيروس" صغير لا يرى بالعين المجردة، حبس البشر أجمعين في منازلهم وأسكن الهلع في قلوبهم. وسوف يأتي يوم تكون النجاة لمجموعة من البشر دون غيرهم، وهذه نجاة ظاهرية، فالسفينة التي تغرق، فينجو منها ثلثي الراكبين، ويموت الثلث الآخر، تظل سفينة غارقة، ويظل حدثها كارثة، ولا يغير نجاة الثلثين من الأمر شيئًا، ولا يعني أنهم قد ينجو من سفينة أخرى في المستقبل. فعلينا بالتكاتف والحب والتسامح، وهذه الأشياء الثلاثة، هي اللبنات الأساسية لإعادة بناء الإنسانية.

ودور الفنان، حتى يساهم في هذه المهمة الصعبة، التي حُمل بها جيلنا، أن يعمل على ترسيخ هذه القيم في قلب كل إنسان، ويعمل على إيضاح مدى خطورة الوضع الحالي وقسوته، ومدى تهديده لنا في ظل انتشار الأنانية والكراهية والتزمت والعصبية، نحن في حاجة للتعامل مع الأمر بجدية وحسم وحزم، نحتاج لشمس بيضاء باردة تشرق على الإنسان، تضفي عليه الرغبة فقط في العيش بسلام صادق، وإلا ستكون الشمس حمراء متأججة، تحرق الجميع ولن تستثني أحدًا.

Pages